الخامس عشر من يناير
الواحدة بعد الظهر
أحد عشر شهراً مضت
لم أدون خلالها شيئاَ
لا شيء استحق الذكر
يناير ١٩٣٣
كتبت هيلين كيلر
-و هي التي فقدت حاستي السمع والبصر قبل أن تبلغ السنتين-
مقالاً بعنوان لو أبصرت ثلاثة أيام
أجتزأُ منه :
"قد كان يلذ لي أحيانا أن اسأل رفاقي الذين يبصرون لأعرف عن بعض ما كانوا يرون، وقد تقبلت في هذه الأيام زيارة صديقة من اعز صديقاتي كانت قد رجعت منذ قليل من جولة لها طويلة في إحدى الغابات المجاورة، سألتها ماذا رأت وماذا لاحظت ؟ فكان جوابها بالحرف:«لا شيء يستحق الذكر !» ولو أنني لم أكن معتادة مثل هذا الجواب لداخلني الشك فيما سمعت. لقد اقتنعت منذ زمن بعيد أن هؤلاء الذين يبصرون لا يرون في الواقع إلا قليلا !"
عزيزتي هيلين
أكتب إليك بعد مرور ثمانين حولاً عن عالمي
حيث نختار أحياناً أن نكون القردة الحكيمة الثلاث في آن واحد
ألا نسمع ! ألا نرى ! وألا نتكلم
عزيزتي هيلين
في بيتي تعامل أمي كقاصر تمنع من قيادة السيارة واتخاذ القرار بإسم الدين
أمام منزلي تبحث العجوز عما يسد رمقها في أكوام القمامة كل نهار
في حارتي نرمي المخلفات على جوانب الطرقات ونعلم أطفالنا بأن النظافة من الدين
في قريتي يتزوج التسعيني من طفلة لأنه يملك المال وبإسم الدين
في مدينتي يتوجس الناس خيفة كلما اقترب موسم الأمطار
في مجتمعي ندفع ما نملك لاقتناء الآيفون وآخر ما وصلت إليه اختراعات الغربيين
ثم ندعوا عليهم ونطالب بتجييش الجماهير
في بلدي يتجدد النقاش كل عام حول الاحتفال بمولد خير المرسلين
وحكم استعمال معجون الأسنان في رمضان
في عالمي نحاور من خالفنا في الدين بينما نكفر ونفجر المسلمين الآخرين
في تاريخنا غزونا القارات وسبينا النساء وجمعنا العبيد بإسم الدين
ثم نتساءل لماذا ينفر شبابنا من هذا الدين
عزيزتي هيلين
عالمي أصبح بسيطاً
فكل ما أحتاجه هو لحية و ثوبٌ قصير
لأحلل وأحرم على الآخرين
وأغزوا القنوات وأجمع الملايين
وحين يتبعني في تويتر المجانين
سأُقسَِمُ الناس هذا شقَي وذاك سعيد
عزيزتي هيلين
حينما كنت طفلاً كانت أمنيتي أن أكون عالم دين
لكني أكتشفت بعد حين
أن المنابر أضحت مرتعاً للجاهلين
يعتلونها لزرع الكراهية وتلميع المنافقين
سحقاً لمن باع الأخلاق والدين
عزيزتي هيلين
صدقيني ديننا دين جميل
و رسولنا كان ذو قلب حنون
دعى بالحكمة والموعظة الحسنة
وجاء ليتمم مكارم الأخلاق
ولكنهم لا يتعضون ولا يفقهون
قدرنا أن نتبع سنن السابقين
عزيزتي هيلين
أنت معجزة أثبتت
أن المعاق معاق الأخلاق والعقل
آخ لو كنت أمتنا كهيلين